كانت أصوات المأذِن تاتي من البعيد متداخلة اظنها ثلاث او اربعة مساجد وذلك المسجد الذي يصر علي ان لايخافت ابداً و ان لايغلق ميكرفونة بتاتاً فهو يرسل الدعوات والتسابيح والحوقلة وكل شي كل شي ممايمكن ان يعبر عن تدينة الفريد او اصرارة علي ان يستيقظ الجميع لماذا تناموا؟ هيا استيغظوا اطفالاً ومرضى وليستيغط ذلك العامل الذي انهي ورديتة المرهقة التي استمرت لخمسة عشر ساعة وهو بحلم الان ان ينام قليلا قبل ان ينهض ليذهب الي المستشفي الذي ترقد فيه امه ليتبادل دور المرافقة مع شقيقة الذي سيبدا عملة هو الاخر عند الثامنة صباحاً هيا استيغظوا... يا ارحم الراحميييين ارحمنا وذلك الميكرفون غير الرحيم يصر ان يصدر ذلك الصفير المزعج وكانه يتعمد الصفير
نهض جريمة شغل السيارة واخذ ينظف الارضية ويمسح الزجاج قبل ان يسمي الله كالعادة ويبدا تحركة من الحلة الطرف التي تتنفس ببط ولا تسمع فيها الا نباح بعض الكلاب او شخير احدهم وربما بعض الخطوات المسرعة نحو المسجد او نحو العمل تحرك جريمة فهو قد اتفق منذ ان استخرج الرخصة مع ابوعابدا علي ان يذهب في فردة الحمام طار لوحدة ثم يلحق به ابوعابدا في فردة الغلبة او الطلبة والموظفبن
السوق سوق سوق
راكب... سوق يا معلم
جريمة... السوق ايوا اركب خش لي جوة
ويستمر الركاب في الصعود و تمتلي اليورفان حتي السلم الذي يقف علية ذلك الشاب الذي قام بتحصيل الاجرة من الركاب او ان الركاب هم من بدا يقدم له الاجرة ربما ظنو انة المساعد لانه يقف علي سلم السيارة وهو بدورة لم يعترض بل طلب من جريمة ان يعطية بعض العملات الصغيرة ( فكة) حتي يعيد المتبقي لبعض الركاب وان كان اغلب الركاب يحمل قيمة الرحلة بالضبط جاهزة وصل جريمة الي السوق تناول قهوتة ولم ينتظر كثيرا ادار العربة في اتجاة العودة الي الحلة الطرف
طرف طرف الحلة الطرف
واخذ يتقافز في الحفر حتي الشارع الترابي الاسن الذي لم يري ولن يري الاسفلت برغم وعود الفيل وكل الذين جاؤا من بعدة
الفيل نفسة لم يعد يذكر ذلك الشارع الترابي بعد ان انتقل الي الخرطوم ولم يعد ياتي الي الحلة الطرف الا نادرا فقد صار كثير المشاغل فهو يترأس الان الكثير من اللجان ويحضر المؤتمرات وتسبقة سيارة فيها حراسة ، لست ادري من الذي يستهدفة او من الذي اوحي له بانه ربما سيتم يتم استهدافة ، او من سيستهدفة! ربما زوجاتة السابقات يتربصن به !! او ربما ان مظهر سيارة الحراسة هو جزء من الابهة بعد ان عرف لبس البدلة و ذلك العطر الزيتي النفاذ و تلك المسبحة ذات الحبات المصقولة التي تصدر حباتها صوت اعلي عند اصطدامها ببعض مثل تكتكات المنبه او اعلي قليلاً
...
سارت الايام بشكل رتيب ولم تعد الحلة الطرف تشهد احدثاً عظيمة منذ حملات التكسير الشهيرة تلك ، جريمة صار كل يوم يقترب من تحقيق حلمة بالسفر للخرطوم ، يصل جريمة الحلة الطرف ليجد ابوعابدا في انتظارة في المحطة وبعض الركاب من الطلبة والعمال فيوقف السيارة وينزل مفسحاً المجال لابوعابدا
ابوعابدا... سلامات يا جريمة
جريمة... عليكم السلام يا معلم
وتمضي اليورفان نحو السوق
سوق سوق سوق وينزل راكب ويصعد اخر حتي تصل السوق فيذهب ابوعابدا وجريمة لتناول الشاي والقهوة
..
جريمة... ادينا الشاي و ماتنسي قهوة المعلم قال جريمة ذلك مخاطبا بائعة الشاي قبل ان يجلس هو وابوعابدا
ابوعابدا.. انت قررت السفر متين؟
جريمة... والله يا معلم بفكر اشتت اخر الشهر دا
ابوعابدا... يعني قدامك اسبوع
جريمة... ان شاءالله
ابوعابدا... والله حتفرق معانا لكن نقول شنو. ؟ عديلة
جريمة... والله انتو الحتفرقو معاي لكن الله غالب بس
ويستمر اليوم يمضي سريعا مابين السوق والحلة الطرف حتي مالت الشمس للمغيب عندها قال ابوعابدا مخاطبا جريمة
ابوعابدا... خلاص كدي شوف لينا لحمة دايربن لينا حلة من حلل عمك جلك
جريمة... اي طولنا منها
يذهب جريمة ليشتري الخضار واللحمة وابو عابدا ينادي علي الركاب
ها طرف طرف حلة طرف
عاد جريمة و تحركت اليورفان بعد اكتمال عدد الركاب نحو الحلة الطرف وهي تتقافز وتصدر اصوات كركبة وسكسكة تنافس صوت المسجل
لو مغالطنا
وما مصدقنا
اسال العنبة
الرامية فوق بيتنا
خاينة يا دنيا
وظالمة با دنيا
جريمة يلا يا شباب دي اخر محطة
نزل اخر الركاب وتوجه ابوعابدا ناحية البيت وهو يحمل كيس الخصار واللحمة بعد ان اوقف اليورفان وتركها تدور و جريمة يكنس ارضيتها من التراب وقشر التسالي وكل ما اعتاد ان يرمية الركاب علي الارضية ، خرج ابوعابدا بعد ان اخذ حمام وبدل ملابسة متوجها الي بيت الزينبية
وهو يدندن
التش تش الزينبية
حلاوة لبن
يا شباب عليكم الله
ابوعابدا... خلصت يا جريمة نضافة ولا لسة؟
جريمة... ياخي والله تقول فصل بس! ورق مقطع ومناديل وقشر تسالي... سينما كدا
ابوعابدا... معليش يا معلم بكرة تمشي الخرطوم للناس الراقية
جريمة... اها الحلة مرقت ولا لسة ؟
ابوعابدا... مرقت شنو انا شوفتها.؟انا ياداب ماشي لكن رسلت الحاجات مع بدرية من قبيل واخدت لي حمام بتكون قربت تمرق لي هسي
جريمة... خلاص انا قربت انتهي من النضافة ببطل العربية واجي عليكم
ابوعابدا... تمام جيب ليك معاك شطة
جريمة... ودي تفوتني انا؟ جيبت ليك شطة قبانيت
ابوعابدا... يا سلام ايوا كدا... كدي نشوف الترتيبات عند الزينبية ماشة كيف ، انتهي وحصلني
جريمة... انا اصلا شبه خلصت... بتلقاني في خطراتك
التش تش الزينبية
حلاوة لبن
زينب الصغيرة كان صوت بكائها يرتفع ويسمع من الشارع ، وفشلت كل المحاولات لاسكاتها بل بالعكس كل محاولة لاسكاتها كنت تزيد في بكائها وتمرغها في التراب ، دخل ابوعابدا و حاول ان يرفعها عن الارض وهو يداعبها
ابوعابدا.. مالا زوبة دي الزعلا منووووو؟
زينب.. ااااا ااااااا مام ماااام مام وهي تبكي وتتلوي علي الارض
ابوعابدا... معلييييش الزعلك منو ؟ وريني عشان ادقو
الزينبية... غايتو الا تدقنا كلنا
بدرية... انا مالي كمان. يدقوك انتي وجلك براااااكم هههههههه
جلك... انا كمان بقدر ازعل زوبة ؟
يدفع جريمة الباب ويدخل فتزيد زبنب بكائها و ابو عابدا يحاول ان يسكتها فتتملص منه فياخذها منه جريمة
جريمة.. لا لا دي زعلة شديدة !! مالك الشاكلك منو؟
زينب... ااااآ كلهم اااااا كلهم شاكلوني
فيضحك الكل
جريمة... يلا نمشي الدكان انا وانتي بس برانا ما نسوق اي زول معانا نشتري حلاوة حربة
زينب... وبيبسي قالت ذلك وهي تبكي
جريمة... بس كدا وبيبسي كمان
وضعها جريمة علي كتفة وتوجه نحو الباب وهو يداعبها وهي تضحك و تملي طلباتها عاوزة بيبسي و حلاوة لبان و حلاوة حربة وما بدي اي زول معاي وهي تنظر ناحية جلك وبدرية والزينبية
بدرية... حزنانة وواعية يا بنات امي !!
الزينبية... في زول عوير الزمن دا؟
جلك... انا بس هههههههههههههه
ابوعابدا.... انا وانت بس العورة... يالزينبية ما تجيبي لينا القزازة عشان ننعنش قبل الحلة دي تمرق
الزينببة... القزازة تحت سرير صحبك اليرفعا ساكت
ابوعابدا... يا جلك كب لينا كاس كاس الننعنش
جلك... جدا وهو يخرج الزجاجة ويضعها علي التربيزة
بدرية... كدي ما لف لينا سيجارة اول شي
ابوعابدا... والله نسيت اقول لجريمة جيب معاك ورق خلي يجي نرجعوا تاني الدكان ولا الطبلية بتاعت موسي
الزينبية... والله جريمة دا حيقطع راسك بي سفرو الخرطوم
ابوعابدا... شديد والله لكن نقول شنو الله يوفقو
الزينبية... انتو ما تجيبو لينا ولد ولا بت
بدرية... كدي خلينا نعرس اول شي ههههه
الزينبية... المافي شنو ؟ مش الفاتورة دي نجيب عمك جادين المأذون هسي ونكتبا ليكم
بدرية... كان نكتبا ليكم ماعارفة! وانتي وجلك دا اخوان؟
جلك... نحن ذااااتنا نعقد المانع شنو؟
ابوعابدا... علي الطلاق دا الكلام
الزينبية... طلاق شنو البتحلف بيهو كمان؟ اجي يا بنات امي
بدرية... قبل النفاس الريحة نحاس ههههههههه كدي نعرس اول بعدين طلق كان داير تطلق
دخل جريمة يحمل زينب وهي تحمل في يد زجاجة بيبسي وفي الاخري كمية من الحلاوة وهي تضحك
زينب... ولا بديكم معاي... عاينو عندي شنوووو؟
بدرية... اديني انا معاك
زينب... مام
الزينبية... خلاص اديني انا حلاوة واحدة بس
زينب... ابيت بس بدي معاي عمو عابدا بس وجريمة مش انتو شاكلتوني؟
جلك... والله ما شاكلناك
زينب... وهي تتثائب شاكلتوني كلكم
بدرية.. بت اللذينة عديمة العشرة وهي تضحك
ابوعابدا... ياجريمة شيل ليك كاس واختف رجلك علي طبلية موسي جيب منو دفتر برنسيس
جريمة... امسك دا الدفتر يا معلم جيبتو معاي عارفك قاطع ورق ودي سيجارة
ابوعابدا.. جيبتها من وين مش قبيل سالتك قلت مشطب؟
جريمة... والله اداني ليها الشبلي هسي قابلتو في الشارع.. والظاهر عليها سيجارة ظابطة شديد والله واقف ككو بس لقيتو ليك
ابوعابدا... لا لا عفنة ظاهر عليها قال ذلك وهو يتشمم السيجارة ويكسرها
جلك... امسك كاسك يا جريمة
جريمة... الله ما يحرمنا منو
نهضت الزينبية ناحية الحلة رفعت الغطاء وحركتها قبل ان تنزلها و تحرك الكانون لنفض الرماد عن الجمر وهي تقول
الزينبية.... حلة السرور
جلك... معاك معلم ياااا
الزينبية... معلم بس؟ معلم ونص
..
ابو عابدا، انتهي من لف السيجارة واشعلها اخذ منها نفسين وقدمها لبدرية، زينب غطت في نوم عميق حملتها الزينبية ووضعتها علي سرير داخل الغرفة وبمجرد ان وضعتها صحت وهي تبكي وتبحث وتسال عن البيبسي وحلاوتها
زينب.. حاحاتي ويييينا ؟
الزينبية... ياهو دا البيبسي ودي الحلاوة قولي بسم الله
زينب.. مام ما بقول وهي تتشبس بالحلاوة وتواصل نومها
جريمة... والله سيجارة كافرة عدييييل كدا
ابوعابدا... اي اصلية
جلك... اها يا جربمة الخرطوم متين نويت؟
جريمة... والله قلنا السبت القدامنا دا لو الله سهل
جلك... ومالك مستعجل؟
ابوعابدا.. والله ما عارفو ! لكن خليه الله يعدل خطوتو
جريمة... ما مستعجل لكن داير اصل مع اول الشهر عشان اجاسف لي شغل ولا حاجة اسوقا
جلك... انا عندي قريبي كمسنجي في موقف الصحافة شرق معروووف اسمو التاج اب ستة تمشى تسال عنو وتقول ليهو جابيك من طرف جلك بس ما بقصر معاك
جريمة.. تمام يا معلم
ابوعابدا... كمان في بيت العزابة في بري بتاع قرايبنا برضو بديك العنوان تمشي تنزل معاهم في الاول لحدي ما تظبط وضعك
الزينبية... ولااااازم تمشي لي اختي مستورة عندها مطعم في سوق بحري تمشي ليها وما بتقصر معاك زولة ضكرانة
جريمة ... زولة ضكرانة عدييل ؟ وهو يضحك
الزينبية.... ضكرانة اااي انت قايل الضكارة دي بالبيضات و الجمبهم ؟ والله في نسوان اضكر من رجال
جلك... والله صدقتي مافي كلام وكان جيبتي ليك قزازة بتكوني اضكر ضكر وبقوم ليك شنب عدييل
الزينبية... الشنب خليتو ليكم انا كفاي الضنب دا بس
ونهضت وهي تتغنج وجلك يلاحقها بنظراته
ويغني
..
الدلال والغرام عيوني
اهم دا جافو المنام عيوني
قالت لي أرداف تقال بلـونـــــــــي
و السنون تضوي قالبة لونــــــــي
الضمير قــال لي خبرونــــــــــــي
الصدر و الردف بـرونــــــــــــــــي
بالتُقـــل كادوا يبترونـــــــــــــــــي
و ديسة حاجبني ما بترونـــــــــي
...
ووووووك عوك
مضي الاسبوع سريعا سريعا وكانه يومان ، وحانت لحظة السفر كان في وداع جريمة جلك وابو عابدا والزينبية وزينب الصغيرة فقط لم تحضر بدرية فقد كانت مربضة فحلف عليها جريمة و حلف علي الزينبية ايضاً ولكنها اصرت علي مرافقتة حتي الموقف وهي توصية ان يذهب لاختها مستورة في المطعم ودست له في جيبة مبلغ من المال جلك ذهب و احضر له التدكرة واعطاه ايضا مبلغ وجريمة يرفض ان ياخذ منهم اي شي ولكن اصرارهم وزجر ابوعابدا له جعله ياخذ وهو يهمهم بالشكر
ابوعابدا... انت قايل روحك كبرت علينا ولاشنو ؟
جريمة... العفو يا معلم
جلك... هوي ياجريمة والله بدرة ابو الرقيع بتاعتك قاعدة لي هسي هديك ياها
ضحك الكل والباص يطلق البوري بشكل متواصل و هو يوقع ذلك الحن الشعبي
جاياك جاياك
يا ابشرا
جاية افتو معاك
يا ابشرا
بالضرا بالضرا
ان شا الله راجل مرا
يا ابشرا
يودعهم جريمة ويركب الباص ويجلس في المقعد المجاور للشباك ليجدهم يخبطون علي زجاج الشباك وتتداخل اصواتهم يوصونة ويودعونة وبدعون له وصوت البوري يتعالي ويبتلع بكاء زينب الصغيرة و اصواتهم وأصوات الباعة وهم ينادون علي بضائعهم ، ساعات.. امشاط.. قاشات... عطور
وصوت بائعة التسالي
ايوا الفول والتسالي ياااا
فولية سمسمية حلاوة حلي يا
يتحرك الباص و السائق يطلق البوري ويدوس علي الابنص بطريقة مميزة وكانه ويستعرض مهارته في القيادة او يتباهي بسيارتة ذلك النيسان الذي صنع في الاصل لنقل البضائع ولكن بقدرة وخيال احدهم صار له صندوق ومقاعد للركاب يجلسون عليها لم تكن مريحة تماما ولكنها كانت تفي بالغرض و افضل من ظهر اللوري واسرع من قطارات السكة حديد
تحرك الباص وذلك المقعد الذي يجاور جريمة ظل خاليا لم يجلس عليه احد ففكر جريمة في سرة ان هذا افضل فهو لايحب الثرثرة ولكن عند نهاية المدينة توقف البص وهو يطلق البوري مرات عديدة فخرج بعض الصبية وتعلقوا بباب السائق وجأت من خلفهم بعض النسوة و شابة متانقة يبدو من شكل الثياب التي ترتديها انها هي المسافرة ، حمل الكمساري شنطتها وادخلها الي داخل البص ووضعها في الرف اعلي الكرسي الذي يجلس عليه جريمة وهو يقول له
الكمساري... الزولة الجايه دي حتقعد في المقعد الجمبك
جريمة... مافي مشكلة
حضرت الشابة والتي عرف جريمة لاحقاً ان اسمها امل و جلست في المقعد المجاور له والتفتت اليه و سلمت بشكل سريع
جريمة... وعليكم السلام
انغمس جريمة في خيالاتة عن الخرطوم واخذ يتصورها ، شوارع كبيرة ومشجرة تخيلها نظيفة تخلو من الحفر ومن تلك المياة الاسنة و ان بها الكثير من العمارات الشاهقة مقارنة بتلك العمارة ذات الجدار الاخضر التي كم افرغ مأؤه عليها في الحلة الطرف تذكر ابوعابدا وبدرية جلك والزينبية جمعة وعيالة وتذكر زينب الصغيرة فتبسم وربما افلتت منه ضحكة صغيرة فقد افاق من ذاكرتة ووجد ان امل تنظر اليه وهي تبتسم فتبسم وادار وجهة سريعا ناحية الشباك فهو وبرغم كل ما عاشة وخبرة الا انه يتمتع بحياء مفرط ، فجأة انتشرت في جو الباص رائحة سيجارة فاخذت امل تسعل بشدة فنهض من مقعدة وطلب منها ان تستبدل مقعدها لتكون قرب النافذة فشكرتة ولاحظت انه ينظر لذلك الهيد فون الذي تضعة وقد كان نادرا ولم ينتشر بعد فقالت له
امل... انا اسمي امل بقرا فنون جميلة في جامعة السودان
جريمة... انا اسمي جريمة
امل... منو؟
جريمة... صابر.. صابر محمود وجريمة دا لقبي معليش
امل... وهي تضحك خلعتني اول طبعا هههههههه
جريمة... معليش
امل... لا عادي
جريمة... بتسمعي في شنو ؟
امل... دا مصطفي سيد احمد... بتعرفو؟
جريمة... ايوا
امل... سمعت ليهو شنو؟
جريمة... كتير.. عم عبدالرحيم والطيور و الحزن النبيل لكن بحب صابرين اكتر
امل... يا سلاااام ياخي وانا بحب عجاج البحر
جريمة... ما سمعتها
امل... دقيقة اجرها ليك من الاول قالت ذلك وهي تضغط علي ذر التقديم في الهيدفون وتقدم السماعة لجريمة الذي اخذها ووضعها علي اذنية
فسمع
...
يراقصني عجاج البحر
ترعد داخلي الأمطار
يكلمني تراب الأرض
يشدد قلبي الأوتار
أغنيكم ... أغنيكم
أغني جذوة النار التي فيكم
والعن ذلك البرد المدثر روحكم
..
شعر انه يحلق بعيداً وانه يحس بالكلمات وان كان لايفهم المعني تماما وكيف يكون للبحر عجاج!!
توقف البص في كافتيريا واعلن السائق انه توقف لتناول الفطور وصلاة الظهر ستكون مدة توقفه فقط نصف ساعة قبل مواصلة الرحلة قال ذلك بكثير من الاهمية وكانه قبطان او قائد يخاطب جنوده
فنزل جريمة وامل وتوجها الي الكفتيريا طلب منها الجلوس وسالها ماذا تاكل
امل... لا شكرا انا ح اشرب شاي ما بحب اكل في السفر
جريمة... خلاص نجيب اكل خفيف بس
وذهب الي الكاشير وطلب فول وكبدة او ان ذلك كل ما وجدة في قائمة الطعام
اكلا وهما يتحدثان او هي التي تحدثة عن مصطفي سيد احمد وان اغنية شهيق هي اغنيتها المحببة وانها رسمتها في لوحة كانت هي اعمال السنة الماضية لكن الدكتور لم تعجبه اللوحة وانه لم يمنحها الدرجة المتوقعة برغم اجادتها الرسم ربما لانه لايحب مصطفي؟ ربما
اخبرها انه لم يكمل تعليمة وان ذلك الخفير والاستاذ ذو الكرش كانا هما السبب في تركة المدرسة منذ الثالث المتوسط ولم يذكر لها بالطبع حادثة ابو الرقيع
واخبرها انها المرة الاولي التي يسافر فيها للخرطوم وانه سيعمل سائق او اي عمل اخر
امل... تمام كان كدا ضمنا الفسحة
جريمة... طوالي بس كدي استلم العربية اول هههه
امل... تعال لي في الكلية
جريمة... اديني العنوان وانا اوعدك ازورك
امل... واضحة تجي الغربي جمب الاستاد واسأل عن ناس فنون وبعدها اي زول بيجيبك لي
جريمة.... اتفقنا يلا نشرب الشاي سريع عشان ما يفوتنا البص
وبعد ان شربا الشاي صعدا البص وسالت امل السائق
امل... لوسمحت المسجل شغال
السائق... اي شغال بس الشرائط نسيتا كلها في المكتب قبل نتحرك
امل... خلاص ان بجيب ليك شريط
قالت ذلك وهي تتوجه الي المقعد وتخرج من شنطتها شريط كاسيت حفل لابوعركي البخيت واخر لمصطفي سيداحمد وياخذهما جريمة ويوصلهما للسائق الذي يضع عركي وترتفع
منه
سهرنا الليل وكملنا
في ظلال عينيك
النعسانة
والباص يسرع نحو الخرطوم ويسرع جريمة ليسابق الباص نحوها وامل تثرثر وهو يصغي ويسمع ويعلق احيانا او يستفسر
وهي تضحك بعزوبة
وهو يلاحظ ان لها ضحكات تشبه ضحكات الاطفال وان عيناها تضحكان و تضيقان فتبتلعانه فيذوب ويذوب( 12 )
جريمة يذوب عميقاً كلما ضحكت امل يذوب ويغوص في عينيها ليس يدري ما هذا الشي الذي يتملكة الان؟
ماهذا الخدر اللذيذ؟ كيف يكون لعيني احدهم او ضحكتة تاثير العرقي او ذلك الفرح الملفوف؟ كيف لضحكة ان تجعلك تحلق وتطير منفلتاً خارج الزمان والمكان
امل.. وين وصلت يا عم المندمج ولا سيد سرحان؟
جريمة... أأي ؟ ااي معاك معاك سامعك
امل... يازول انت ما معاي خالص
جريمة... والله معاك بس في كلام كبار كوبار كدا ما فهمتو ، لكن هو كلام سمح
امل تضحك كطفلة صغيرة يوم العيد تركض وتركض خلفها ضفائرها ، وتحادث جريمة في كل شي تكلمة عن عصر النهضة وعن لغة اللون وسحر الضوء عن عشقها لقهوة حاجة نفيسة ، لم تنسي ان تحدثة عن زقاق الشاي ونجيلة فنون و عن ام بدة وكافتيريا عمال وجريمة لا يستطيع ان يفهم اغلب كلامها ولكنة يستمع اليها جيدا وينفعل معها ويراقب تدرج نبرة صوتها و ضحكاتها فلامل من الضحكات حوالي الاربعة او تلك التي استطاع ان يحصيها حتي الان
و اشارت امل الي لافتة شبه باهتة مكتوبة باللون الابيض علي ارضية سودا وقد تعرت من الطلاء في مواضع عديدة بفعل الشمس ربما او ربما هو الطقس غيرالرحيم او وربما لردأة الطلاء المستخدم ، استطاع ان يقرا فيها جريمة وبصعوبة عبارة
(مرحب بكم في مدينة الخرطوم)
جريمة... وصلنا الخرطوم ؟
امل... اي حمدلله على السلامه
جريمة.. والله ما حسيت بالوكت
امل... تقصد شنو يعني بريتك مثلا؟
جريمة... لا ياخي العفوء لكن الوكت من الكافتيريا لي هنا مشي بي سرعة وبي صراحة كلامك سمح لكن كوبار كوبار ونصو مافهمتو
امل.. سمح معناتا انا برطن
جريمة... ما كدا لكن انا زول تعليمي بسيط متوسطة بس
امل... ما مشكلة ما كل قاري متعلم
جريمة وهو يحاول ان يغير الحديث
جريمة... لسة السوق الشعبي بعيد
امل.. لسة فاضل قدامنا زي نص ساعة لغاية السوق الشعبي
جريمة... البص بيجي بي بري؟
امل... لا ما بيمر بيها لكن هي ما بعيدة وانا ذاتي بركب مواصلات بري وبنزل في الداخلية
جريمة.. كويس كان كدا نركب سواء... انا ماشي بيت العزابة حق اصحابنا في اخر محطة بري المعرض
..
ارتفع صوت مصطفي سيد احمد
أيها الراحل في الليل وحيدا ..
ضائعا منفردا
بالأمس زارتني بواكير الخريف ..
غسلتني في الثلوج ..
وبإشراق المروج
أيها الراحل في الليل وحيدا
حين زارتني بواكير الخريف
..
والبص يتهادي نحو السوق الشعبي ويطلق بوري قصيرا ويضغط كثيرا علي الفرامل التي تصدر صوت هوائي وكانها تتجشا او هو كفحيح افعي عملاقة والبص يواصل سيرة يتلوي ويتهادي ويطلق ذلك البوري الطويل الذي يحاكي الموسيقي الشعبية ويضغط علي الابنص بشكل مميز فيركض نحوة وحولة مجموعة من العتالة ويتسلقون سلمة الخلفي حتي قبل ان يتوقف ويبدا الركاب بالوقوف دفعة واحدة لست ادري لماذا يفعلون او نفعل كل شي بذات الكيفية وفي ذات التوقيت يذدحمون في الاسواق في ليلة العيد وينظفون البيوت و يصنعون الخبيز وكعك العيد بذات الليلة!! لماذا يذدحمون ويقفون في نفس التوقيت؟
جريمة... الناس دي مالم متضايقين كدا؟ ذي الماصدقو البص دا وقف؟!!
امل... خايفين علي عفشم الفي راس البص من السرقة
جريمة... لا حولاااا طيب ما يعملو عتالة معروفين وبي بطاقات؟ او مافي زول يركب في راس البص قبل ما الركاب ينزلو
امل... والله دي فكرة جميلة... يلا خلاص ننزل، انت عندك عفش فوق؟
جريمة... لا بس شنطتي دي
نزل جريمة وامل من البص وسط جمهرة من الناس منهم من ينتظر قادم او رسالة او امانة مرسلةاليه ومجموعة من اصحاب التكاسي والحاحهم علي الركاب بالركوب معهم
ها بحري.. ام درمان... الصحافة... بري تكسي يا شاب؟ تكسي يا استاذة؟
جريمة... تعالي نركب تكسي
امل.. تاكسي شنو يازول! مواصلات الله العديلة دي مالا؟
جريمة... ياخي خلينا نركب تاكسي
امل.. شوف انت من الليلة لازم تتعلم علي التلتلة والشقاوة.. دي الخرطوم هههه
جريمة... ماشي يلا اتوكلنا علي المواصلات
يمرون من بين هذا الحشد بصعوبة ويتوجهان الي موقف المواصلات ،
ركبا مواصلات بحري من السوق الشعبي حتي نفق الجامعة ونزلا قالت له امل ان رحلتها انتهت هنا فهي تسكن في داخلية البركس وهي قريبة من هنا قالت ان مواصلات بري تاتي من هذا الطريق ، ثم ودعتة ولكنه اصر ان يوصلها حتي الداخلية
جريمة... يازولة انا مابخليك هنا لازم اوصلك الداخلية
امل... خلاص توصلني بس علي شرط
جريمة... موافق
امل... انت ما تصبر تعرف الشرط شنو؟
جريمة... ما مشكلة من غير ما اعرف موافق
امل... عموماً الموضوع ما خطير الشرط انك تشرب معاي قهوة خالتو نفيسة
جريمة... بس كدا؟ خلاص موافق
امل... طبعا ما حتتعاور وتصر تدفع لانو انا العازماك ودا الشرط
جريمة... دسيس
امل... بدهشة قلت شنو؟
جريمة... جميل .. سمح
امل... لا انت قلت شنو بالضبط ؟
جريمة... قلت ليك تمام
امل... لا انت قلت شنوبالضبط عليك الله عليك الله ؟ عارفة معناها تمام لكن الكلمة كانت شنو علييك الله دايرة اقشر بيها
جريمة... دسيس اها كدا استريحتي؟
امل... دسيس يلا ورح وهي... تضحك
يذهب جريمة وامل في اتجاه الداون تاون وقبل ان يجلسو عند بائعة الشاي حاجة نفيسة يجدها تندفع الي امل وتاخذها بالاحضان
حاجة نفيسة.... هي بنيتي بركة الجيتي طيبة حمدلاك بالسلامة بنيتي
امل... الله يسلمك يا خالتي نفيسة والله اشتقت ليك ولي ونستك وقهوتك
حاجة نفيسة... والله شدة انا ما مشتاقة ليك رويحتي زاااتا مشحتفة فيكي، بركة الجيتي طيبة.. كيف اهلك وإخيانك؟
امل... كلهم تمام الحمد لله ياخالة
وجاء مجموعة من زملاء وزميلات امل رحبو بها وتبادلوا الثرثرات والضحكات ، عرفتهم علي جريمة او صابر محمود ذلك الاسم الذي كاد ان ينساة
امل... يا جريمة بتشرب قهوتك كيف؟
جريمة... اي شي زيادة سكر جنزبيل وبن
امل... دسيس... قالتها وهي تضحك
شرب جريمة القهوة واستاذن لانه اول مرة ياتي الخرطوم ولا يعرف بيت العزابة بالضبط وان كان يعرف انه في اخر محطة بري بالقرب من مطعم الطيبات البلدي، رافقته امل حتي شارع الجمهورية وانتظرت معه قليلا المواصلات المتجهة لي بري
امل... عنوان الكلية عندك وعرفت مكان حاجة نفيسة انا كل يوم المساء بجي اشرب جبنتي هنا ، يعني لازم تجيني... دسيس؟
جريمة... دسيس وهو يبتسم
وصلت حافلة بري سالت امل الكمساري هل هو متوجه الي المعرض؟ فاجاب بنعم عندها ودع جريمة امل وركب الحافلة وبدا يبحلق في كل شي يحدق من الشباك ينظر للافتات واشارات المرور وهذا الزحام و اشجار النيم و اللبخ ، اخرج مبلغ من جيبة اعطي الكمساري اجرة الرحلة وظل يبحلق وصادف انه اليوم الختامي لمعرض الخرطوم وهناك زحمة وجمهرة من الزوار تعرقل السير ولفت انتباة جريمة مكياجهم وازيائهم عرف ان اليوم سيكون هناك حفل غنائي ساهر يحيه فنان الشباب الاول الحوت
واصلت الحافلة سيرها وقد كان اذان المغرب يرتفع من المأذن
حي على الصلاة
حي علي الصلاة
وصلت الحافلة اخر محطة ترجل منها الركاب نزل جريمة واخذ يبحلق في كل ما حولة سال عن مطعم الطيبات اشار له بغير اكتراث ذلك