لا زالت يد العسكري تواصل العبث في جيوب جريمة وكلماتة تنهش كرامتة
..
العسكري... ارفع يدك فوق يا شماسي، طلع البنقو
جريمة... بنقو شنو يا جنابو
العسكري... انت ماعارف بنقو شنو؟ الليلة بتعرف الله واحد ، شغال شنو انت؟
جريمة... شغال سواق
العسكري... وين رخصتك؟
جريمة... عند صاحب العربية عايز يصورا
العسكري... انت صعلوق ساكت وبتاع سلسيون،
واتبع ذلك بكف من باطن يدة واخر، عندها تدخل العسكري الاخر وطلب منه ان يتركه لان الدفار متحرك ناحية ذلك الشارع المكتظ ببائعي الارصفة من الفريشة فركضاء ، ولم يكلف العسكري نفسة عناء ان يعيد المبالغ التي استولي عليها من جيب جريمة!! ربماء نسي ذلك؟ ربما
جلس جريمة الي ان عادت الخالة بائعة الشاي
الخالة... وليدي نعل ما شالو منك شي
جريمة... لا مافي شي
جلست علي مقعدها تفقدت اشيائها المبعثرة وانشغلت بشانها او هي انكفئت علي كانون عزتها وجمر احزانها
تحرك جريمة ناحية ابو جنزير بعد ان استفسر عن موقعة جيدا ، سار في طريق عودتة لا يدري كيف وصل ابوجنزير كان يجتر مراراتة ولا يعلم كيف ركب حافلة بري ولا يدري كيف نزل في اخر محطة، فعل كل ذلك بشكل آلي تماماً تماماً كالمنوم ، لم يفق من نومتة تلك الا عندما سمع صوت ينادية
النجيب... يا صابر صابر... يا جريمة
جريمة... اهلا النجيب كيفك
النجيب... مالك يا زول مسهي وين؟
جريمة... والله في الدنيا الوسيعة دي
النجيب... انسي يا زول اديها شلوت ، تعال اقعد، اها عملت شنو؟
جريمة... ولا شي والله مافي جديد
النجيب... ما قابلت زولك المشيت ليهو؟
جريمة... قابلتو والله لكن قال بكرة بيديني الاكيده و انا خايف الموضوع يجرجر
النجيب... يازول الامور بتتظبط ما تشيل هم... صحبك ادم مشي ينجز ليهو موية وقال ممكن يجازف ليهو سيجارة
جريمة... انا عندي الدخان
النجيب... خلاص نمشي البيت نسبقو ونصنع لينا سيجارتين
جريمة... خلاص تعال نشيل احمر
النجيب... يلا
يذهبان الي طبيلة السيجائر حيث طفل الطبلية لازال جالساً هناك ويحمل في يدة مجلة يبدو انها مجلة اطفال مصورة ابتاعا منه السيجائر واخذ النجيب بالمتبقي قطعة لبان من تلك التي نسميها لبان سندباد وصلا البيت في اللحظة التي كان ادم يسحب السلك ليفتح الباب...
النجيب... والله يا عمك مواعيد خواجات بس
ادم... كييييف يا انا بلعب كمان؟
جريمة... مافي كلام والله
ادم.. والله جايب ليكم حاجة تدور العربية
جريمة... انا داير حاجة تبطلا... تبطل الطاحونة الانا شايلا حايم بيها دي
ادم... والله دي حسب انت شاربا لشنو ، لو داير تدور بتدور ، داير تبطل بتبطل
النجيب... اي انت اقعد شكر لينا في القشو البتسممنا بيهو دا ، عمرك ما جيبت ليك حاجة سمحة
ادم... المرة دي جرب واحكم ، ولا اقول ليك جريمة بس يحكم علي الشغل دا
جريمة... تمام لكن غايتو من شكلو دا سيكو اصلي
ادم... اي ياخي انت زول بتفهم مش بتاع البقنية دا!! هو العرفو بالعرقي السمح شنو؟
النجيب... جريمة انت بس لف لينا اسطول بعد داك انشالله جاز عديل انا بشربو ما عندي مشكلة
وضحكوا كم ضحكوا وهم يتبادلوا انخاب الفرح المعباء في القوارير وتدور عليهم لفافات الهروب الكبير نحو الذات او منها صوب انبهالات العطايا والتسامي الرحيب لم يعكر صفوهم ولا انسهم شي غنوا مدحوا ذكروا الله والانسان فيهم تواصوا بالحب افصح النجيب عن اسماء حبيباته اللاتي صرن امهات لصبايا في عمر الزواج فاحدي حبيباته التقاها اليوم صدفة رفقة سيدة صغيرة تتمشي وتضع كلتا يديها علي ظهرها تتمشي لتسهل ميلاد طفلها الذي تترقب عرف انها ابنة حبيبتة تلك، ضحك كثيرا وضحك ادم حتي ادمعت عيناه حدثهم ادم عن احراش الجنوب وعن تلك الويلات و الفجائع التي عايشوها وانهم كانوا يداعبون ديدبانات و مقاتلي الحركة حيث لم تكن تفصل بينهم الا بضع امتار والاف المرارات والسياسة او النجاسة، كانوا يتشاكسون او يطلقون وأبل السباب او الرصاص و احياناً يحضر مقاتل من الفريق الاخر ليشعل سيجارة من احد عساكرهم ويقدم لهم راس من البنقو او يطلب منهم ملحاً ، اخبرهم ادم عن ذلك الوباء الرهيب المسمي الكوليرا الذي داهم معسكرهم في فشلا وكيف انه كان حينها يقاتل وسط مجاهدي الدفاع الشعبي
عندما قال لهم ذلك الشيخ القاتل المجاهد.. ان هذه الاسهالات ليست الا غضب من الله او هي ( عمل ) فهؤلا العبيد الملاعين بتاعين كجور
لم يكن هو ذو الغزالة نفسه ، ولكنه يفكر بمؤخرتة المتعفنة كحالهم جميعاً ،
قال الطبيب الشاب الذي لم تكن له خبرة بالحروب ان هذه الاسهالات ما هي الا وباء الكوليرا
ولكنهم لم ينصتو له صدقوا شيخهم و انخرطوا في صلاتهم من غير طهاره فقد افتي احد كبرئاهم انهم في رباط وان الضرورات تبيح المحظورات.. حكي لهم ايضاً كيف ان الطيران الحربي في احدي طلعاتة تلك لم يستطيع ان يميز بين الفريقين المتحاربين فارسل براميلة المتفجرة بسخاء امطر الفريقين وغفل راجعاً وربما ارسل اشارة باتمام مهمته بنجاح
حكي لهم جريمة كيف ان العسكري قد عبث بجيوبة وكيف انه قد ابصر كرامتة تتبعثر امامة وتنفرط فبكي بحرقة واحتسي كاسة ثم بصق كل خيباتة في وجه هذه الارض التي تبتلع كل ما يُسفح عليها من مرارات او غذارات ، تبتلع كل ما يقدم اليها تبتلع ولا تشبع ككرش فيل لا تفتر شهيتها
تسفح القرابين من الكباش ومن صغار الجند والسابلة من المواطنين العزل فتحتسي دمائهم/ن ، ظلوا يثرثرون يثرثرون
...
ادم... الارض التي تشرب دم الانسان ملعونة، ولكن النيل مبارك فهو ياخذ قرابينة كاملةً
النجيب... النيل غدار لكن الحبيبات مباركات فلماذا اذاً يبتلعهن النيل؟
جريمة... الدنيا دي بت كلب يوم تعليك ويوم تدليك، تخيلوا الفيل قالو بقي مسؤل كبير وعندو بدل العمارة عشرة
ادم... سيبك من العمارات احلي سيجارة تنفخا وكت الدوشكا دي تدور و القرنوف دا يرطن ططق ططق طق طق
نام النجيب اولا وظل ادم وجريمة يثرثران قليلا قليلا حتي سكت صوت ادم وسكت لسان جريمة ليفسح العنان لتلك الكوابيس والكواليس التي لا تنفك تفتح مصراعيها
فاجأه ذلك الحلم المتكرر المليئ بالثعابين ولكن هذه المرة كان هنالك ثعبان واحد فقط يطاردة باصرار لم يكن سمينا كان نحيلاً براس بومة و كلما ركض جريمة نبتت للثعبان ساق لم يعد يزحف صار يركض خلف جريمة ويكاد ان يمسك به ، يسقط جريمة في بئر مليئة بالغراء او هي مادة صمغية تخرج من فم سيدة تقهقه لا يكاد يتبين ملامحها ولكن المادة اللزجة تخرج من فمها الخالي من الاسنان الا سن واحدة كانت تقهقة وتكاد ان تسقط علي ظهرها ، تقهقه بذلك الصوت ذو الرائحة الكريهة وجريمة يغوص خلف ذلك الضوء الذي يندلق امامة وحيدا مثل فانوس القطار ولكن اين اختفي ذلك الضوء! وما هذا الجدار الذي نبت فجأة واخذ يستطيل امامة فتنفتح نافذة تمتد منها كف بها ست اصابع رقيقة ولا ابهام بينها اين ذهب ابهامها؟ تشدة الكف الي داخل الجدار فيغوص كيف صار الجدار رخواً هكذا؟ صارت اصابع الكف ستة ثعابين ضخمة تطاردة وهو يركض منها لا يكاد يفلت ، يتعلق بغصن شجرة يابس فينكسر الغصن و يتحول الي كائن له فم مثل الة الساكسفون يلتهم الثعابين الست الا واحدا يرجع عبر الجدار الرخو فتاتي قمرية تسحب جناحها المكسور علي الارض تطاردة وتنقر ظهرة تضحك في وجهه قبل ان يصير لها وجه فتاة ، تجلس بعيدا عنه صامتة لا تنظر اليه تفتل من شعرها حبل عظيم وكلما فتلت تدفق الشعر طويلاً وغزير وصارت جدائلها الف ثعبان اكثر مما تملك ( ميدوسا ) او حبال وعصي سحرة فرعون انقضت عليه الثعابين من كل جانب فصرخ صرخ فامتدت له يد انتشلتة نهض يشعر بالعطش الشديد ويد تهزه
النجيب... يا صابر صابر يا زول قول بسم الله في شنو؟
جريمة... بسم الله والله شوفت اب كباس كعب خلاص
النجيب... قوم اشرب ليك موية واجهز الواطة قربت تصبح
جلس جريمة مدة من الزمن لايدري قصيرة كانت ام طويلة في وسط السرير واضعاً راسة علي كفة و قلبة يخفق بشدة
استيقظ ادم و توجه راكضأً للحمام
نهض جريمة ودخل الحمام بعد خروج ادم وقف تحت الماء البارد مدة من الزمن لم يكن يريد سوي ان يطفي تلك النيران التي تلهب جلدة كان هذا الحلم برغم تكرارة الاكثر رعباً
خرج من الحمام وجد ان ادم قد ارتدي ثيابة ويستعد للخروج
ادم... شباب انا بسبقكم علي المحطة ما تتاخروا عشان نشرب القهوة
النجيب... ما تنتظر نطلع مع بعض
ادم.. انا بسبقكم عندي موضوع مع حسن بتاع النمرة
جريمة... انا جاهز
النجيب... خلاص اتقدموا انا هسي بحصلكم ما بتاخر
ادم... نجيب ليك سجائر معانا ولة عندك؟
النجيب... لا لا عندي سجاير
خرج ادم وجريمة متجهين الي المحطة كان الجوء منعشاً وتهب نسمات خريفية لطيفة لم يكن هناك الكثير من المارة فقط بعض العمال المسرعين و بعض الطلاب الذين يمشون في كسل ، المحطة كانت كعادتها تفوح وتعبق برائحة الزلابية و رائحة الشاي والقهوة تلك الرائحة الخليط من كل شي بعض العطور الشعبية التي يضعها المارة دخان عوادم السيارات وذلك البخور الذي يفوح من اكثر من مبخر
جلس جريمة بعد ان اشتري السجائر منتظراً ادم الذي ذهب يتحدث مع حسن او حسن نمرة كما ينادية الجميع وقف معه حتي مجي النجيب الذي انضم الي جريمة
ادم... طلبتو القهوة
النجيب.. ياخي ما نشرب شاي لبن بي زلابية الاول
جريمة... تمام ، عليك الله ياخالة ادينا تلاتة شاي لبن وادينا زلابية معاهو
النجيب... اعملي فيهو قرنفل
الخالة... سمح
وبعد قليل احضرت لهم الشاي والزلابية كانت حارة وشهية فقضوا عليها وطلبوا المزيد منها قبل ان يطلبوا القهوة ،
بعد فراغهم من احتساء القهوة نهض النجيب وادم دفع النجيب الحساب ثم انصرفا وتركا جريمة يجلس ينتظر حافلة تقله صوب ابوجنزير
ركب جريمة الحافلة وجلس في المقعد المنفرد عند الباب مباشرة ، اسند زراعة للشباك المفتوح واخذ يستنشق الهواء كانه خرج لتوة من قمقم او بئر لا قرار له والحافلة تمضي ، الركاب يصعدون اليها او ينزلون ، النفق، جامعة الخرطوم، النصب التذكاري، الخارجية لتتوقف اخيراً في ابو جنزير الذي يفور بالحياة اصوات الحافلات مكبرات الصوت واصوات الباعة وذلك الكشك الاخضر الذي يتعالي منه صوت الشيخ كشك ذلك الصوت الذي يجعلك تحس دوماً وان هناك اتهام ما موجه دوما الي شخص او شي ما ، صوت متربص في ارتفاعة او خفوته وهو يتحدث سريعاً ويرسل اسئلتة المتصلة او يبطي في نبرتة وهو يجيب علي تلك التساؤلات ، هو يطرح الاسئلة ويختار الاجوبة ويقرر عنك لا يترك لك فرصة ان تعقل او تتدبر او حتي تستمع ، الضجيج يتعالي وجريمة يعبر من امام تلك الاسيوية التي تبيع الفكس ويتسأل في سرة
لابد ان لها اب شيخ او ام مريضة والا لم تكن لتاتي الي هذه البلاد لتبيع الفكس تحت شمسها الحارقة ، ربما بلادها فقيرة او لاتطعمهم الا الكفاف لتبحث عن اكل العيش في هذه البلاد المضيافة
وصل الي موقف الصحافة فوجد التاج محتدا مع احد السائقين
ابوستة... يازول انت ما بتوريني شغلي انت بعد الكوستر داك قلت ليك
السائق.. انا دخلت الموقف دا قبل الكوستر
ابوستة... يعني شنو؟ انا سجلتو قدامك مثلاً داير اكل حقك
السائق... يازول انا ما بعرف المهم انا الكوستر دا قدامي ما بشحن
ابوستة... والله يشحن جوة عينك
السائق... انت عيني دي سيبا انت في وانا في
تدخل بعض الموجودين في الموقف لتهدئتهم واحتوا الامر بما فيهم جريمة بل ان احدهم اخذ ورقة النمرة واعطاها لجريمة وسط اعتراضات ابوستة ولكنهم ذهبوا به بعيدا ولم يتركوه الابعد ان شحنت الحافلتان
فذهب اليه جريمة
جريمة... السلام عليكم يا معلم التاج الناس ديل ما خلوني سلمت عليك قبيل
ابوستة... ياخي دا زول قليل ادب ودي ما اول مرة يعمل حركاتو دي لكن خليهو بادبو ليك يا انا يا هو في الموقف دا
جريمة... ياخي انساهو يا معلم الموضوع ما مستاهل
ابوستة... عكر مزاجي ود الغلفة دا الله يعكر مزاجو
جريمة.. استلم الورقة بتاعت النمرة دي خليني اجيب ليك عصير واجيب لي قهوة
ابوستة... خليك ماسك النمرة الله جابك زاتو انا والله صدعت ماشي اخد لي رقدة والجبنة برسلا ليك مع المظ
جريمة... عديلة يا معلم
..
ظل جريمة يسجل ارقام الحافلات بالترتيب شرب قهوة واخري ودخن وكان يتسال في نفسة اين العربة الامجاد؟
ابوستة حضر عند الحادية عشرة والنصف وكان مبتسماً وكانه ليس هو الذي غادر متعكراً كَما بحر ازرق عند هطول الامطار في السفوح الحبشية
ابوستة... يا صابر انت بقيت معلم في النمرة
جريمة... معلم وين يامعلم التاج انا تلميذ في مدرستك
ابوستة.. بالمناسبة جنابو بتاع الامجاد امس ما قابلتو مشيت ليهو البيت كذا مرة مرتو قالت بايت في الشغل عندهم استعداد
جريمة... لي خير يامعلم
ابوستة... انت فطرت؟
جريمة... لسة والله هو النمرة بتدي الزول فرقة
ابوستة.. خلاص انا بمشي اطلب الفطور وانت خليك مواصل نمرة
جريمة.. خليني امشي انا للفطور
ابوستة... لا خليك عشان انت ما بعرفوك ناس المطعم انا بظبط الفطور
حضر ابوستة وخلفة ذلك الطفل طفل المطعم يحمل صينية فيها اكثر من صحن امتدت له اكثر من يد وسط القفشات والاصوات غير الواضحة و الكلمات المخلوطة باصوات مضغ الطعام ، مرٌ اليوم سريعاً وعند الرابعة استاذن جريمة من ابوستة فقد قرر ان يذهب الي الداون تاون حيث تحتسي امل قهوتها عند خالتي نفيسة كما اخبرتة ذهب في اتجاه ابو جنزير مرّ قريبا من ذلك الحشد الذي يقف في طوابير طويلة لاستخراج جوالات فقد طرحت شركة الاتصالات خدمة التلفون المتنقل وكانت تبيع الجوال كاملا بالكرت ويجب ان تسجل اسمك وتنتظر في الطابور وربما لاكثر من يوم لتحصل علي جوال
ركب الحافلة المتجهة الي بري نزل عند مكتب القبول وتوجة ناحية حاجة نفيسة سحب له بنبر وجلس ، لم يطول انتظارة كثيراً فهاهي امل قادمة رفقة بعض زملائها فهتفت به
امل... او جريمة انت هنا من متين ؟ قالت ذلك وهي تضع اوراقها علي بنبر قربة قبل ان تذهب لتسلم علي الخالة نفيسة
جريمة.. ما طولت ، كيف حالك انتي
امل... انا دسيسة
جريمة وهو يضحك... شايفك حفظتيها
امل... كيف ياخي سلم علي اصحابي الدسيسين ديل
جريمة... السلام عليكم
امل.. ديل عادل و مجتبي ودي مني ودي ناهد دي الوحيدة المادسيسة هههه
جريمة... كيف اخباركم يا شباب
امل... دا جريمة الدسيس الكلمتكم عنو
رحب به الشباب وطلب لهم جريمة القهوة لكنهم اعتزروا بانهم مضطرين للذهاب لانهم منشغلين بالتجهير للحفل الذي سيقام في اليوم التالي واصروا عليه ان يحضر الحفل معهم غداً ، لم تبقي معهم سوي ناهد
حاجة نفيسة... كلكم جَبَنَة مش؟
امل.. اي بس نحن جبنتنا انتي حافظاها وجبنة صابر دا كتري ليهو الجنزبيل
ناهد... هو انت صابر ولا جريمة ولا دسيس ولا طرفك من طبعو نعسان؟ ههه
جريمة.. انا صابر جداً
امل... هو كل الكوكتيل الانتي قولتيهو دا يا ناهد
ناهد... يا امل انتي الزول الفنان الجايبنو بكرة دا بقلد مصطفي كويس؟
امل... رهيييب رهيب ما بتفرزيهو ، انا حضرت ليهو حفل قبل كدا، وبالمناسبة هو مهندس
ناهد... بيني وبينك انا سمعت واحد قال بيقلد مصطفي قربت اديهو كف
امل... بكرة حتسمعي الزول دا ولو غمضتي عيونك ما حتحسي بي فرق ما حتشعري الا انك بتسمعي في مصطفي
ناهد... للدرجة دي
امل... واكتر دا حتي بتشتغل معاهو فرقة مصطفي نفسها
احضرت لهم حاجة نفيسة القهوة فشكروها وواصلو في الحديث عن الحفل و عن مشروع التخرج وجريمة صامت يحتسي القهوه
امل.. هوي ها مالك ساكت
جريمة... مافي شي بس انا ما بعرف اقول كلام كبار كوبار
ناهد... يازول كوبار شنو كمان نحن بنقول في دراب
جريمه... معناتا انا كان فتحت خشمي دا بطلع غبار عديل
فضحكوا...
...
في الحلة الطرف كانت الحياة تسير بذات البساطة وزينب الصغيرة لم تعد تذكر جريمة الا لماماً
( 16 )
زينب الصغيرة تفتقد جريمة فقط عندما تبكي او يعكر مزاجها شي ما ، فتنادي باسمة قبل ان تسقط منها حتي دمعة واحدة، قبل ان تستلقي علي الارض لتسبح في نوبة غضبها او تعبر عن رفضها لشي ما بتمرغها في التراب وإثارة ذلك الغبار وعبارات السخط ، كان اكثر من يفتقد جريمة هو ابوعابدا ، يفتقدة كل ما اثار احد الركاب غضبة وما اكثرهم فجريمة كان يكفية شر التعامل المباشر معهم ويفتقدة اكثر في رحلة الحج للبحر الرحيم حيث كان يستلقي وينام ملء عينية ليجد ان جريمة قد فرغ من غسيل السيارة و توضيبها جيدا فميزة جريمة انه صادق في مايفعلة و يتقن كثيراً صنع مايحب و كل ما يجب ، افتقدة اليوم بشدة عندما تسرب الهواء من اطار اليورفان في ذلك الشارع الترابي اللعين المليئ بالمياة الآسنة وكل تلك المخلفات بشرية و غير بشرية ، خصوصاً وان الشمس لم تكن رحيمة ابداً كانت تتوسط السماء وترسل لهباً حتي ظن ابو عابدا انه مسلط علي راسة فقط و ذلك الاطار تمنع و استعصعي تماما كان الصدا يغطي المسامير التي تثبتة ، وضع ابوعابدا عليها قطرات من ذلك الزيت الذي يستخدم للفرامل ( المكابح ) لكن دون جدوي فهي ترفض ان تستجيب و لولا ان عاونة بعض المارة وسائق حافلة يعرفة لما استطاع ان يستبدل ذلك الاطار ،
عدا هؤلا لم يفتقد جريمة احد ربما سآل عنه بعض الركاب ولكنهم لم يكونو يكترثون كثيراً للاجابة هم فقط يسالون لتمضية الوقت او استدراراً للثرثرة و ينسونه بمجرد ان يترجلوا في محطاتهم وما اكثرها ، سارت الحياة في الحلة الطرف برتابتها تلك ، ينهض الجميع قبل شروق الشمس فيكدحون حتي مغيبها تماماً كالثيران كل يجر ساقيتة او محراثة ويعود اخر النهار منهك لينام مل ماشاء له التعب ، لم يكن يغض مضاجعهم سوي صوت بكاء طفل او شجار زوجين فكانوا حينها ينتزعون انفسهم من فراشهم انتزاعاً لفض ذلك الشجار ، و كثيراً ما كانوا يهجرون النوم طواعيةً ان سمعوا زغاريد فرح وما اكثر المناسبات التي يمكن ان يحتفلوا بها او هم يجيدون صناعة الفرح الزائف يتصيدونه من كثر ما عاشروا الحزن وهذا البؤس المقيم ...
لا زال بيت الزينبية مشرعاً للانس يتلاقي فيه ابوعابدا ، جلك وجمعة بينما بدرية والزينبية لم تكونا تفترقان الا بالكاد الزينبية تعتبر ان بدرية هي اختها التي لم تلدها امها هي اختها التي ولدت من رحم المعاناة المقتسمة وظلم الحياة بخياراتها المحدودة او بضع اختيارات خاطئة، كانت تعتبرها اكثر من اختها فهن تقضيان معا كل النهار وجل الامسيات ولكنها اليوم لم ترها منذ الصباح ، انتظرتها حتي وقت العصر لم تاتي وهاهو المساء قد اتي ولم تاتي بدرية!! فقررت ان تذهب اليها ، لم تكن عادتها ان تغيب عنها طويلاً ،
الزينبية... يا زوبة زينوبة
زينب الصغيرة... ايوا ايوا
الزينبية... يا بت وين انتي
زينب الصغيرة... ياهو دي انا
الزينبية... بتسوي في شنو؟
زينب... ولا شي بلعب
الزينبية... ومالك مكندكة كدا زي الدحش؟! انا مش قلت ليك ما تتكتحي بالتراب؟
زينب... دحش ؟ انا دحش؟ وهي تجري و تحاكي برطعة الدحش
الزينبية... بطلي غلبة يلا امشي اتشطفي ماشين لي خالتك بدرية
فتركض زينب الصغيرة لتغسل يديها كيفما اتفق ثم تعلن جاهزيتها للخروج تضحك الزينبية ولا تجتهد الا في نفض بعض التراب عن شعر زينوبة ثم قامت تلف الثوب حول نفسها ، تضعة علي راسها وما تبقي من فائض القماش تلقيه علي كتفها اليسار فتخرج وزوبة تركض امامها ، تلتقط شيئا من الارض او تتسلق ما يصلح للتسلق كوم تراب او سور شجرة او تطارد معزة وتمسك بذيلها فتركض المعزة سريعاً فتضطر زوبة لافلاتها وهي تترنح ثم تعود قليلاً للوراء لتاخذ نعالها الذي افلت من رجلها في مطاردة المعزة وتعيد ارتدأه وهي تضحك ، وصلوا بيت بدرية ، نادت الزينبية علي بدرية من الشارع وزوبة تحاكيها قبل ان تدفع الباب وتدخل وزوبة امامها تركض في كل اتجاهات الحوش الذي لم يكتمل كنسة وتاخذ زوبة تلك المكنسة الملقية قرب اخر نقطة تم كنسها و تصنع منها حصان تمتطية علي شاكلة ساحرات قصص الاطفال
...
الزينبية... يا بدرية بدرية هوي يا بنات امي المرا دي مالا؟!
بدرية... بصوت ياتي ضعيفاً.. ايوا يالزينبية ادخلي
الزينبية... مالك ما بتردي طرشتي؟ الطرش ال....
بدرية... والله محمووومة
شديد
الزينبية... وهي تضع يدها علي راس بدرية سجم خشمك ومالك مارسلتي لي ولة جيتيني ؟
جسمك مولع ناااار
بدرية... كاسر فيني نزيف من الصباح ، ابو عابدا مرق بي جاي وانا انطلق فيني النزيف بي جاي لا قدرت اتحرك ولافي زول جاني ارسلو ليك
الزينبية... نزيف شنو كمان؟ انتي حملتي متين؟
بدرية... عندي غياب شهرين
الزينبية... قومي نمشي المستوصف القريب دا... ولا اقول ليك انتي اكلتي حاجة؟ شربتي حاجة؟
بدرية... يسمني
الزينبية... تبري يا بت امي... اقوم اسوي ليك حاجة سريع كدا وامشي انادي ليك حلوم الداية
بدرية... والله نفس ما عندي لي اي شي
الزينبية... هوي يا بت لازم تشربي وتاكلي عشان تعوضي النزفتيهو دا
وتخرج الزينبية ناحية التكل لتصنع مشروب الكركدي فهي تحفظ اماكن الاغراض اكثر من بدرية نفسها تحضر الكركدي ولا تنسي كباية زوبة ، تطلب من زوبة البقاء مع بدرية فهي ستذهب الي المستوصف وتعود ، خرجت الزينبية ولم تغيب كثيرا عادت رفقة حلوم الداية التي عاينت بدرية و اخبرتهن انها كانت حبلي في شهرها الثاني ولكن الامر ليس خطيرا فقد سقط الجنين ، طلبت منها حلوم ان تلازم الفراش وان تحرص علي الاكل والشرب لتتغذي وتستعيد عافيتها قالت ذلك وهي تخرج من حقيبتها بعض الحبوب و تعطيها للزينبية وتشرح لها كيفية ومواعيد تناولها قبل ان تودعهن وتنهض هي والزينبية التي دست في صدر حلوم مبلغ من المال لم تمانع حلوم كثيراً في قبولة وهي تتمتم ببعض العبارات المبهمة وتوصي بدرية بالراحة والغذاء و تقول انها ستعودها غداً صباحاً،
تذهب الزينبية الي السوق الصغير الذي قام في مكان الزاوية القديمة التي حُوِلت لملحمة بعد قيام ذلك المسجد الفخم الذي يقال ان فاعل خير بناه ولكن كان الناس في الحلة الطرف يسمونة مسجد الفيل ولا يكلفون انفسهم عناء قرأة اللافتة الصغيرة تلك تحمل اسم الشيخ فلان بن فلان الفلاني وتاريخ التاسيس المثبت في شهر محرم من السنة الهجرية تلك ، هم ايضاً يقولون ان الفيل قد بني هذا الجامع بنصف الميزانية التي تم رصدها ذلك الشيخ المحسن وان النصف الاخر من الميزانية قد تحول بقدرة قادر الي عمارة وبعضهم يقول انه تحول لزوجة اخري ، اشترت الزينبية جوز من الحمام وطلبت ان يذبح وينتف ريشة في الوقت الذي تجمع فيه بعض الاغراض التي تحتاجها فالسوق علي وشك ان يغلق وهذا التوقيت مثالي للتسوق و يمكن الحصول علي الاشياء باثمان ارخص او بنصف ثمنها حتي ، جمعت الزينبية اغراضها ثم ذهبت لتستلم الحمام فوجدتة جاهزاً وفي طريق عودتها صادفت جلك عائدا فتوجه نحوها وحمل منها الاغراض فاخبرتة بمرض بدرية
الزينبية... بدرية جاها نزيف
جلك... ياساتر الف سلامة وكيفنها هسي؟
الزينبية... كويسه جيبت ليها حلوم الداية شافتا ، لكن والله الدفاق دا ظني بدرية قاصدااااهو كانت دايرة تسقط الجنين
جلك... كيف يعني؟
الزينبية... انت ناسي الناس ديل ما عاقدين
جلك... صدقي كلامك صاح ، كدي انا بفتح موضوع العقد دا مع ابوعابدا يا هو داك شايفوا جاي امشي انتي عشان تجهزي الاكل انا بنتظرو ينزل الركاب وبنجي سواء لاحقنك
الزينبية... سمح
اخذت اغراضها وتوجهت ناحية البيت تركت جلك في انتظار ابوعابدا
ابوعابدا.. وهو يضغط علي البوري... جلك يا جلك
جلك... اي يا ابوعابدا نزل ركابك وتعال لي
ابوعابدا... تعال نعمل لينا فردة سريعة شايف الشارع فيهو ركاب كتار
جلك... تمام كدي حاسب ركابك ديل اول
ابوعابدا... ياخي دا اخر زول وما عندي فكة يا زول امش
الراكب شكر ابو عابدا وذهب الي حال سبيلة وهو يعيد نقودة الي جيبة
جلك... وهو يركب في المقعد الامامي ... يازول بدرية دي تعبت قالو شوية لكن هسي كويسة
ابوعابدا... ياساتر مالا ؟ انا مرقت خليتا شديدة.
جلك... والله الزينبية قالت لي دافقت لكن هسي كويسة وحلوم الداية جات شافتا وادتها علاجات
ابو عابدا... والله انا لي كم يوم كدي شايفا ماااااااا ياها
جلك... يازول ربنا يعوضكم لكن الموضوع بتاع العقد الاتكلمنا فيهو بعد دا بقي واجب يا معلم
ابوعابدا... ابشر بالخير طوالي يا زول انا جاهز لو قلت هسي معاك
جلك... خلينا نرتب الحكاية دي ونحن زاتنا نجهز ونعقد كلنا يوم واحد وانتهي الموضوع
كدي نمشي نعمل الفردة القلتها
ابوعابدا... يازول فردة شنو بعد دا ؟! نمشي نبطل العربية ونتطمن علي بدرية ونشوف الحاصل عليها شنو
....
انتهي جريمة من شرب القهوة او هو استمتع بالقهوة رفقة امل و ناهد و لاحظت امل انه صار اقل تحفظاً في الكلام
..
امل... يا جريمة بكرة معانا في الحفلة صح؟
ناهد... لازم طبعا
جري