الثلاثاء, 12 مارس 2024 01:04 مساءً 0 86 0
خواطر اليوم الثاني كتب الصحفي سراج الدين مصطفى
خواطر اليوم الثاني كتب الصحفي سراج الدين مصطفى
خواطر اليوم الثاني كتب الصحفي سراج الدين مصطفى

خواطر اليوم الثاني

كتب: سراج الدين مصطفي

(1)

من المؤكد .. والمؤكد جدا بأننا سنفتقد في هذا العام برنامج أغاني وأغاني .. هذا البرنامج الذي حقق شعبية كاسحة وجماهيرية عالية وفاقت مشاهدته جميع البرامج .. ليس في النيل الأزرق وحدها بل في جميع القنوات السودانية والتي حاول بعضها صناعة برامج بذات النسق والكيفية .. مثل برنامج (يلا نغني) في قناة البلد وهذا البرنامج تحديدا صنع قدرا معقولا من المشاهدين يتابعونه خلال فقرة الاعلانات في برنامج أغاني وأغاني .. وبرامج مثل (يلا نغني) و(المايسترو) سأعود لها لاحقا .. وكحال الكثرين كنت شغوفا ومهتما بمتابعة برنامج أغاني وأغاني وذلك لعدة أسباب يأتي في أولها القدرة العالية في المؤانسة والأمتاع ومن ثم متابعتي اللصيقة لكم المعلومات الفنية التي كان يتفضل بها الراحل الكبير الأستاذ السر قدور .. وبأعتباري مهتما بالتوثيق للحركة الفنية السودانية كنت أتابع الاستاذ السر قدور بتركيز عالي جدا حتي أنني وصلت مرحلة (تصيد) بعض الأخطاء المعلوماتية التي كان يذكرها في سياق البرنامج .. ومرحلة (التصيد) تلك لم أصلها بسهولة ولم أجد الطريق إليها مفروشا بالورود والرياحين

(2) كنت أجد متعة لا نهائية في ذلك اللعب الضاغط مع الاستاذ السر قدور .. حتي إني تجرأت ذات مرة وكتبت مقال فني بعنوان (أخطاء السر قدور) رصدت فيه بعض المعلومات الخاطئة التي أوردها في سياق البرنامج .. ولعلي هنا أتذكر وبوضوح موقفي من أغنية (رسائل) للشاعر عبيد الرحمن والتي أشتهرت بمقطعها الأول:

حبيبي أكتب لي .. وأنا أكتب ليك .. بالحاصل بي والحاصل بيك ..وكان السر قدور قد ذكر في البرنامج أنها من ألحان ابراهيم الكاشف والصحيح أن الأغنية من ألحان الفنان الكبير (التاج مصطفي) والذي أعتبره المجدد الحقيقي في الأغنية السودانية ومعظم الأجيال اللاحقة تأثرت بمدرسته اللحنيه أمثال محمد وردي ومحمد الأمين ولكن تأثير التاج مصطفي يتمظهر بوضوح في تجربة صلاح البادية .. وما يجب أن يقال بأن الأجيال الجديدة من مطربي النصف الأول من الخميسينات والستينيات طوروا من تجاربهم وأرتقوا بها ولكن التاج مصطفي توقف عن أنتاج الأغنيات الجديدة بسبب حرب ضروس كان يعانيها في الإذاعة حتي أن تلك الحرب وصلت مرحلة أن يكتب علي ديباجة أغنياته (غير صالح للبث) ومنذ العام 1970 توقف التاج مصطفي عن ٱنتاج الأغنيات الجديدة حتي رحيله عن الدنيا في العام 2004

(3)

 وما يجب أن يذكر أن التاج مصطفي هو ملحن أغنية (رسائل) للكاشف .. وهو كذلك من قام بتلحين أغنية (الحبايب) وهو الأسم الرسمي لأغنية (عني مالم صدوا واتوارو) التي كتبها الشاعر (علي محمود التنقاري) وتغنت بها الفنانة عائشة الفلاتية والتي طلبت من التاج مصطفي أن يلحن لها كما لحن للكاشف ومعروفا قديما مدي الغيرة ما بين الكاشف وعائشة الفلاتية .. وما يجب أن يذكر ايضا أن معظم أغاني الكاشف التي بها في بداياته في ودمدني مثل الشاغلين فؤادي وانت بدر السماء في صفاك هي من كلمات الشاعر علي المساح وألحان فنان من مدني يدعي (الشبلي) .. أقول ذلك من باب رد الحقوق وليس تقليلا أو تصغيرا لفنان عظيم مثل ابراهيم الكاشف الذي أصبح جزء من مسلمات ووجداني الشعب السوداني .. ولأن الكاشف سيظل حيا بأغنياته وٱرثه الفني العريض والملهم .. عكس بعض الفنانين الذين نعتبرهم أموات وهم أحياء يمشون بيننا - في حد جاب سيرة مصطفي السني-

(4)

قبل دخولي لمجال الإعلام والصحافة تحديدا.. وقبل أن ألتقي بشخصيات الساحة الفنية المعروفة والمشهورة.. كنت أرسم لهم صورة ذهنية محددة فيها الكثير من المثالية.. كنت أعتقد بأنهم بشر خارقون وليس مثلنا.. ولكن تلك الصورة إنكسر إطارها حينما أقتربت من بعضهم ووجدت الفوارق الكبيرة بين ما كنت راسمه قبلا وما وجدته واقعا.. وعدد كبير منهم تمنيت أن لا ألتقي به أبدا حتي لا تنهار تلك الصورة.. وكانت هناك شخصيات بمثابة صدمة قاتلة..

(5)

 لذلك كانت خلاصة التجربة أن نحتفظ بمسافة بيننا ومن نحب.. أقول ذلك ليس من باب التعميم علي كل الوسط الفني.. فهناك أسماء كبيرة ألتقيت بها في الشأن العام وأمتدت علاقتي بها حتي اللحظة.. ومن النماذج الاخلاقية التي أحتفي الدكتور عبدالقادر سالم.. الإنسان الإستثنائي بمعني ومبني الكلمة.. والفنان العظيم أبوعركي البخيت نموذجي الطيب للاخلاق الرفيعة.. والفنان عمر أحساس وهو إنسان مميز للحد البعيد في علاقاته المجتمعية.. ولن أستثني من هذه القاعدة المبدع الأصيل الراحل عمر الشاعر.فهومبدع تتقاصر أمامه الكلمات كإنسان وكفنان.. جمعتني به علاقة (ملح وملاح).. رجل علي درجة عالية من الخلق الرفيع وطيب المعشر.. يقابلك بإبتسامة عريضة لا تفارق وجهه الوضئ..

وأنا لا أخفي محبتي الشخصية له أبدا.. وأفخر بأنه كان بمثابة الأخ الأكبر والصديق الحميم الذي الجأ له كلما تناوشتني هموم الحياة فأجد عنده الملجأ والملاذ.. أقول ذلك عن عمر الشاعر الإنسان الذي أقتربت منه.. أما عمر الشاعر الفنان فذلك لا يحتاج للكتابة.. فهو يسكن وجدان كل سوداني تشبع وتشرب بأغنياته التي صدح بها رفيق دربه زيدان أو غيره من الفنانين..رحمة الله عليه .. كان رجلا جميلا بمعني ومبني الكلمة.

(6)

ذات مرة سافر الأخ الحبيب هيثم كابو للقاهرة لتغطية مهرجان الأوبرا رفقة الدكتور وقتها الفاتح حسين (حاليا بروفسير وعميد لكلية الموسيقي والدراما) كان هيثم كابو يحرر الملف الفني في جريدة الحرية وهو ملف أسبوعي من أربع صفحات .. وكابو بطريقته المشاغبة وقتها خلق جمهور كبير للملف الفني وكان من الصعب غياب الملف عن الصدور بسبب سفر هيثم كابو .. ويبدو أن سعدالدين ابراهيم .. الراحل النبيل .. وقتها قرر بأن أحرر الملف الفني رغم هشاشة تجربتي وقتها ..

(7)

وهذه حكاية طويلة سوف أعود لها تفصيلا في مقبل الأيام .. المهم في الأمر أن أستاذي ومعلمي سعدالدين ابراهيم طلب مني إجراء حوار مع الشاعر الكبير والصحفي المحترم ( فضل الله محمد) .. وسعدالدين ابراهيم إختاره تحديدا لأنه يعلم محبتي للموسيقار (محمد الأمين) وذلك يعني إنني بالضرورة أعرف فضل الله محمد .. وهو لاحقا قال لسعد الدين ابراهيم (هذا أفضل حوار لي في السنوات الأخيرة) .. وكان ذلك دافع معنوي كبير لشاب في مقتبل حياته الصحفية ..

(8)

ولعل محبتي لمحمد الأمين كانت سببا طاغيا لأني كنت وقتها لا أري في الدنيا أي مطرب غيره .. وربما حتي الان بدرجة أقل .. لأني بعد زمن طويل فتحت أفاق الإستماع لغيره لضرورات التنويع .. والأهم في سماعي لمحمد الامين ومحمد وردي والكابلي وصلاح مصطفي وزيدان واحمد الجابري .. أصبحت أذني عبارة عن لجنة إجازة أصوات وألحان وذات غربال ناعم لا يمر من خلاله الا فنان صاحب جودة عالية.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

منشي محتوي
كاتب ومحرر

sss

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

بلوك المقالات

الفيديوهات

الصور

أخر ردود الزوار

استمع الافضل

آراء الكتاب

آراء الكتاب 2