السبت, 16 مارس 2024 07:21 مساءً 0 95 0
الاستاذ الصحفي سراج الدين مصطفى يكتب خواطر اليوم الخامس
الاستاذ الصحفي سراج الدين مصطفى يكتب خواطر اليوم الخامس
الاستاذ الصحفي سراج الدين مصطفى يكتب خواطر اليوم الخامس

خواطر اليوم الخامس

كتب: سراج الدين مصطفي

 

(1)

لا أخفي ٱعجاب واضح بتجربة الفنان طه سليمان رغم بعض التحفظات .. وٱعجابي الأكبر يكمن في قدرته علي التفكير العصري والمتجاوز ليضع تجربته دائما في المقدمة مهما كان الثمن وبالتأمل في كلمة (مهما كان الثمن) تتضح ثنايا الشخصية الجريئة المحبة للمغامرة دون الٱلتفات للنتائج وردود الأفعال الناتجة عن طرح أي منتوج غنائي .. وطه سليمان في مسيرته مع الغناء تفاوت منتوجه الٱبداعي ما بين الجودة العالية والهزال المخل .. كحال أي تجربة ٱبداعية للبشر تتفاوت ما بين المقبول واللامعقول .. ولكن المؤكد والأمر المحسوم تماما لدي أن طه سليمان يتميز بصوت تطريبي في منتهي الجمال مع سلامة في الأداء والقدرة علي التحرك في كل سلالم النوتة الموسيقية بكل أريحية وسلامة أدائية .. وأكثر ما يثيرني في طه سليمان قدرته العالية في تقديم أغنيات مثيرة للجدل .. وهذه الظاهرة بدأت من أغنية (سنتر الخرطوم) ثم أغنية (قنبلة) و(جناي البريدو) وغيرها من التجارب الغنائية التي أستطاع بها أن يبقي في طليعة الفنانين الشباب .. ونجم الحفلات الأول منذ لحظة ظهوره وحتي اليوم .. ولعل البقاء في المقدمة والصفوف الأولي يتطلب قدرا من الذكاء الخارق والتخطيط السليم .. ومن الواضح جدا أن طه سليمان يعتمد في ذلك علي قاعدة مستشارين ضخمة وفي كل التخصصات بداية من ٱختيار الأشعار والألحان وصولا إلي مظهره الأنيق والجميل ..

(2)

وما يجب أن يذكر أن طه سليمان حاول كثيرا في إكتشاف جوانب أخري في شخصيته مثل تقديم البرامج وهي تجربة خاضها عبر برنامجين متشابهين في الفكرة وهما (ٱستديو 5) في قناة النيل الأزرق وبرنامج (طه شو) في قناة البلد .. كما خاض تجربة التمثيل عبر مسلسل ( وتر حساس) .. وكلها محاولات ٱستكشافية جريئة تحسب لطه سليمان ولكن ما يحسب عليه فيها ٱنها كانت تجارب هشة لم تخدم التجربة الكلية لرؤية الفنان الشامل التي كان يطمح لها وربما تساهم بقدر فاعل في التشويش علي تجربته كمغني ممتاز حقق شعبية .. كبيرة ..

(3)

 قصدت كتابة هذه الخاطرة العجولة عن طه سليمان الفنان .. وهو تجربة حاضرة ومشاعة للتقييم والتقويم .. وهذا ليس بأوانها .. ولكن قصدت التوقف عند طه سليمان الأنسان البار بوطنه وأهله .. فهو ظل ملازما لأهله في شمبات في أحلك ظروف الحرب وعاش معهم المأساة من أول دقيقة لأنطلاقة الحرب اللعينة التي أجبرت الجميع علي النزوح من بيوتهم ومواطن ذكرياتهم ومراتع صباهم ولكنه ظل صامدا وواقفا في عز تلك الظروف القاسية .. وهذا بالطبع موقف يحسب لطه الفنان والأنسان ولعله ساهم بالأرتقاء به في مراتب انسانية عليا مفترضة في الفنان بضرورة أن يعيش واقع الناس ولا ينفصل عنهم ويجلس في برجي عاجي ينظر للناس من أعلي يراهم صغارا وبالطبع يرونه صغيرا وهم ينظرون له من أسفل.

(4)

التفرد الإبداعي لشرحبيل أحمد ونمطه الغنائي المثير كان نتاج تجربة شعورية ووجدانية فيها الكثير من الشركاء .. ولعل الفن السوداني شهد الكثير من الثنائيات الإبداعية التي لونت الوجدان السوداني .. مثل عثمان حسين وحسين بازرعة .. وردي وأسماعيل حسن .. محمد الأمين وفضل الله محمد وغيرها من الثنائيات التي مازال صداها الإبداعي حاضراً حتي اليوم .. ولعل الشاعر(بشير محسن) يعتبر هو النصف الجمالي الآخر للمبدع شرحبيل.

الثنائية الإبداعية ما بين شرحبيل أحمد والشاعر بشير محسن أنتجت العديد من الأغاني الفارعة .. ولكن تأريخيا يمكن القول أن شاعرنا بشير محسن كانت له تجارب غنائية قبل أن يلتقي بشرحبيل أحمد .. فهو بدأ كتابة الشعر منذ أن في المدرسة الثانوية ، قبل أن يبدأ التعاون مع الفنانة (عائشة الفلاتية) حيث كان ذلك في العام 1951 بحسب ما ذكر الأستاذ معاوية حسن يس في كتابه من تاريخ الموسيقي والغناء في السودان .. وللحقيقة أن الشاعر بشير محسن يمتلك أيضاً موهبة التلحين .. إذا أن أحد أغنياتهما الثلاثة المسجلة في الإذاعة كانت من ألحانه ، والأغنيات الثلاثة هي (الملاك السامي) وسجلت للإذاعة في العام 1957 .. وأغنية (آمال) في العام 1958 وأغنية (حبيب وجداني) وسجلت في نفس العام.. و المعادلة الإبداعية عند بشير محسن أخذت وضعيتها وإعتباريتها مع بزوغ نجم الفنان شرحبيل أحمد ، كان بشير محسن وقتها يستند علي أغنياته الناجحة وشرحبيل في بداية سلم النجومية ، وفي ذلك قال (بلا شك أن الراحل بشير محسن كان من أهم وأروع من غنيت لهم، وكنا نشكل تناغماً كبيراً، قدمنا أعمالاً أرضت جمهورنا، فهي تجربة كانت متميزة وفريدة، وكثيراً ما كنا نضع الألحان معاً فهو ملحن أيضاً.حيث تم التعارف بينهما في العام 1953، حيث ذكر بشير محسن عن حفلة كانت في نادي حي البوستة وكان شرحبيل مشاركاً فيها وقال (كنت أعرف موهبته وتفرده ومنذ أن سمعت صوته للمرة الأولي أدركت بأنه صوت يمثلني،

(5)

ذلك التعارف العفوي والحميم كان هو بداية إنطلاقة عهد جديد في الأغنية السودانية ،حيث شرحبيل أحمد الفنان المتجاوز وقتها بطريقته الغنائية الجديدة وأسلوبه المتفرد في التلحين كل ذلك تطابق مع الموهبة الشعرية الفذة ، فكان الناتج إبداع إبداع مختلف مازال صداه يرن حتي الأن وتتناقله الأجيال الي يومنا هذا .. وتميزت الأعمال الغنائية لشرحبيل أحمد وبشير محسن بالألحان الراقصة الهادئة والجمل الموسيقية القصيرة. واعتمد كثيراً على آلات النفخ النحاسية كالساكسون و الترمبيت و الترمبون والباص جيتار و الجيتار و الأرغن ، وذلك في تمازج مع الإيقاعات السودانية المختلفة ،حيث غني شرحبيل أحمد لبشير محسن قائمة من الأغنيات (مين في الأحبة ــ أبوشعور رقيقة ـ خطوة خطوة ـ لوتعرف الشوق ـ البهجة في عينيك ـ ستار يا ليل ـ يا شاغلني ـ يا تايه في ظلام الحب ـ مناي أشوفك تاني.

(6)

الراحل المقيم في وجداننا مصطفي سيد أحمد .. ولو لم يكن فنان حقيقي لما عاش خالداً عند الناس حتي هذه اللحظة .. سيرته وحكاياته تتجدد في كل يوم .. ولعل الموقف الفكري لمصطفي سيد أحمد هو العنوان الأبرز له كفنان إختط لنفسه مساراً جديداً وغير معهوداً .. وفن الغناء عند مصطفي سيد أحمد ليس مجرد لهو وتزجية وقت وإنما هو قضية إنسانية متكاملة الأركان .. فلذلك من البديهي أن يقول الناس عن مصطفي سيد أحمد بأنه (مفكر) قبل أن يكون (فنان) .. وتلك هي الوصفة السحرية التي إكتشفها مصطفي سيد أحمد وعبر عنها شعريا ولحنيا .. بأغنيات تتحرك ما بين القلب والعقل ..كان مصطفي سيداحمد مشروع غنائي ملهم .. يستند علي رؤية جمالية كانت هي خلاصة المنتوج العقلي والوجداني لهذا الشعب ..

لم يستدرك بعد (مغنواتية)، الجيل الحالي ان مصطفي وضع ضوابط صارمة للفنان الحقيقي على مر التاريخ ، وضرورة ان يكون للفنان موقف صارم من العالم الذي يعيش فيه ويظل ناقداً مبيناً لقيم الخير والحق والجمال، كاشفاً لكل أقنعة القبح ومظاهره، محرضاً على الثورة والتغيير، راسماً معالم الحلم والظلم والظلام

 كان مصطفي فنان له موقف صارم قبولاً ورفضاً ونقداً وتعرية، ولذلك فهو غني لجملة الناس بما يعبر عن هذا المواقف.

(7)

ميزت غنائية الاستاذ الهادي حامد ود الجبل بعدة خيوط إبداعية وليس براعته في االتلحين هي سمته الأبرز ولكنه يتميز بخاصية إنتقاء المفردة الشعرية المختلفة ..والهادي حامد فنان مغامر في زمن قلت فيه المغامرات الفنية فتحول بذلك لمدرسة غنائية وحالة تلبسها الكثير من باب التقليد ..وواحدة من إبداعات الهادي رهانه علي مفردة شعرية جديدة غير سائدة ومختلفة عن المستسهل من الشعر .. ونحن حينما نتوقف في التجارب الجادة لا يمكن أن نتخطي الهادي أبداً ..وقد يقال علي الفنان الذي يراهن علي نص جديد بأنه صفوي ونخبوي وهذا ليس راي مزعج..و أستطيع أن أقول بأن الهادي أختط طريقاً لا يشبهه فيه أحد.

. الهادي حامد فنان ممتاز وله ملكات لحنية متجاوزة وأداؤه جديد ومتميز ..

ولكنه فنان سئ الحظ برغم الذي قدمه من أغنيات جميلة ولكنه لم يأخذ وضعيته الإعتبارية ويبدو أن هجرته الي ليبيا وتنقلاته ما بين السعودية والخليج ساهم في عدم إستمراره وإستقراره ولكنه برغم ذلك من المفترض أن يأخذ حقه من التقييم والقراءة في تجربته الموسيقية..ولكن في تقديري ـ هو فنان مؤثر في الحركة الفنية والغنائية بدليل أن معظم الأجيال الغنائية الحالية تغني بطريقته ومتأثره به.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

منشي محتوي
كاتب ومحرر

sss

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

بلوك المقالات

الفيديوهات

الصور

أخر ردود الزوار

استمع الافضل

آراء الكتاب

آراء الكتاب 2